كفانا شجباً وتنديداً.. وتهديداً ووعيداً لاسرائيل عندما تعتدي على الشعب الفلسطيني الذي لم يعان شعب كما عانى في تاريخ البشرية.. فهو يعيش خارج دولته منذ أكثر من ٧٠ عاماً.. ومن يعيش منهم على أرضه يعانى قتلاً لأبنائه وتدميراً لبيوته وحصاراً اقتصادياً خانقاً.. وعندما منحته إسرائيل مضطرة دولة وهمية ذليلة.. أمعنت في تدمير منازله وتوسيع المستوطنات ليهودغرباء عن الأرض جاءو ليحتلو ظلماً مكان أصحاب الأرض.. فأدى ذلك إلى إنفجار الشعب قهراً للمعاناة التي يعانيها .
وها هم.. أطفال هذا الشعب البائس وشبابه ونساؤه ورجاله يواجهون بلا سلاح أو بأبسط الأسلحة أحدث أنواع الأسلحة وأشدها فتكاً.. هي الأسلحة الأسرائيلية.. وبتأييد من أمريكا التي تكيل الأرهاب بمكيالين.. ولا تعتبر إسرائي الدولة الحافل تاريخها بالإجرام وقتل الأبرياء دولة إرهابية.. والعالم العربي بضعفه وتفرقه يتفرج وكأن الأمر لا يعينه إلا من بعيد.. فهل حان الوقت لنستيقظ من هذا الذل والعار؟
لقد أصبحنا أضحوكة للعالم المتقدم.. ولا أعتقد أن هناك أمة أجتمعت لديها كل وسائل القوة الأقتصادية والحضارية والتاريخية.. يجمعها لسان واحد وأديان سماوية تدعو إلى العلم والعمل المخلص والأخلاق الفاضلة.. وتجعلهم رمزاً للحياة الكريمة مثل الأمة العربية التي قذفت كل هذه النعم وراءها وأخدت تتناحر على مبادئ سياسية تافهة لا تطعم خبزاً ولا تبني أمة حضارية.. وأغلب الدول التي ثارت على حكامها تدهورت حياة المواطن بها أكثر من الدول التي بقي الحكم ملكياً بها.
إننا نعيش كعرب أحلك سنوات تاريخنا ولم نستيقظ بعد.. رغم كل المخاطر التي تواجهنا.. رغم عذاب الملايين من شعوب الدول العربية التي يتحكم بها رؤساء يتصرف أغلبيتهم بشكل عشوائي وبأسلوب أناني لا يتماشى مع روح العصر الحاضر.. وتعاني أغلب شعوبهم الفقر والبلاء.. وهم يعيشون كالأباطرة يتنعمون بخيرات بلادهم هم وأبناؤهم وزوجاتهم وحاشيتهم.. وكأنهم ولدوا ملوكاً.. لا عائلات محدودة الدخل، شاء حسن حظهم وسوء حظ شعوبهم أن يصبحوا رؤساء لدولهم منذ عشرات السنين ولازالوا في سدة الحكم.. مادام الموت بعيداً عنهم.. فهل هذه جمهوريات..؟ وهل هكذا دول يعيث فيها الفساد الأداري والأخلاقي.. ولا يوجد بها أنظمة حكم مستقرة العربية والغربية ودول .. وكيف يمكننا كعرب أن نخلق تكتلات إقتصادية مع أنظمة قابلة للأهتزاز حسب مشيئة حكامها أو أن هناك إمكانية أن تنقلب سدة الحكم بها بسبب ثورات ناقمة داخلية لما تعانيه شعوبها من إحباط وقهر ؟
إننا بحاجة ماسة إلى أنظمة حكم دستورية تعتمد على نظام المؤسسات الثابت.. لا على أساس حكم الفرد.. لكي يدور رأس المال العربي بين الدول العربية معتمداً على ثقته في ثبات القوانين والأنظمة مهما تغيرت الوجوه الحاكمة سواء جمهورية أو ملكية، وأضرب مثالاً على ذلك الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.. كدولتين يحكم الأولى حكم جمهوري والثانية حكم ملكي دستوري.
إننا نعيش اليوم عصر التكتلات الأقتصادية الضخمة. فكيف سنواجه هذا العالم ونحن دول منفردة ومحل أطماع تلك الدول المتقدمة التي تملك العلم والمال والأسلحة الفتاكة المتقدمة والعقل الذي يضع مصلحة تلك الدول ككل.. فوق مصالح كل دولة الخاصة.
إنهم يضعون خططاً لعشرات السنين القادمة.. تقوم عليها مصالحهم الأقتصادية والقومية فأين خططنا للسنوات القادمة؟
ونفاجأ.. في هذا الوقت الحرج الذي نتطلع فيه إلى مجلس التعاون الخليجي بقرارات متواضعة لهذا المجلس بعد عشرين سنة من تكوينه تدل على إنفصال رأي المفكرين والرأي العام الخليجي وعدم أخذه في الأعتبار في اتخاذ قادة مجلس التعاون لهذه القرارات.. وإلا فكيف أقتنع ككاتبة أو يقتنع المواطن الخليجي أن يتم تأجيل توحيد العملة الخليجية .. خصوصاً وإننا نعلم أن الفرق في قيمة عملة كل دولة ضئيل إلى درجة تجعل الشخص المتنقل بين هذه الدول قادراً على إستخدام عملة بلاده أحياناً.. فهل يتطلب إصدار العملة الموحدة أن ننتظر ولماذا؟ وهل من المعقول أن يقتصر القرار على توحيد التعرفة الجمركيةكل هذه السنوات الطويلة دون أن يتحقق ..
وها هم يوحدون عملتهم من خلال إصدار عملة "اليورو" رغم تفاوت عملة كل دولة عن الأخرى بشكل كبير من حيث القيمة.. ويصبحون بذلك قوة إقتصادية هائلة قادرة على التأثير في السياسة والأقتصاد العالمي في مواجهة التكتلات الأقتصادية والسياسية الكبيرة الأخرى المتمثلة في الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل والصين واليابان.. فماذا ينقصنا كدولة خليجية أن نتحد إقتصادياً وسياسياً؟ ومن ثم نضع سياسة اقتصادية متكاملة كدول عربية تشكل في مجموعها قوة بشرية وأقتصادية وتاريخية وحضارية هائلة..؟ متى سندرك كدول عربية أننا يجب أن نقيم علاقاتنا كدول عربية على مصالح إقتصادية مشتركةلا على أساس علاقات شخصية عاطفية وإنفعالية تتحكم فيها الظروف والمناسبات؟ ألم يحن الوقت لخبرائنا الأقتصاديين أن يجتمعوا ويفكروا ويخططوا لما فيه مصلحة الدولة العربية الأقتصادية التي ستصب في النهاية في مجرى خير ورفاهية المواطن العربي..؟
إنني أناشد ككاتبة المفكرين من كافة الشعوب العربية أن يأخذوا زمام المبادرة.. للخروج من واقعهم السلبي ومحاولة خلق تيار فكري إيجابي عملي يؤثر على مجريات الأمور في دولنا العربية..وأن تكون قرارات الجامعة العربية قابلة للتطبيق من خلال جامعة الدول العربية..وأن تكون قراراتها فعالة وقابلة للتطبيق على أساس دراسات الخبراء العرب في جميع الدول العربية .. وأن يكون لقرارات هذه الجامعة تأثير كبير على المؤسسات التشريعية والتنفيذية في الدول العربية فيما يتعلق بالسياسة والتكامل الإقتصادي العربي.. كما إننا لن نحمي أنفسنا كعرب من أي إعتداء خارجي إلا من خلال تكوين جيش عربي موحد.
إن الخطر القومي الذي تعيشه الأمة العربية يتطلب تطبيق هذه الخطوات العملية السياسية الأقتصادية.. وإلا فإننا لن نتمكن من إستعادة كرامتنا وسنظل خاضعين للدول المتقدمة علمياً وأقتصادياً يحركوننا كما يشاءون ويستغلون خيراتنا ويتلاعبون بمصائر شعوبنا.. فهل نستيقظ من نومنا لما فيه مصلحتنا القومية؟
أتمنى ويتمنى معي كل مواطن عربي أن تتحقق هذه الأمنية الغالية التي ستمكننا من الخروج من عنق الزجاجة.. لنستعيد كبريائنا وعزتنا وأمجادنا كعرب.